كان المفروض أن يكون المقال التالي جزءًا من كتابي عن موريس بوكاي المعنون “موريس والقرآن”، ولكن الكتاب غزير الصفحات أساسًا لم يتسع له (575 صفحة)…الحمد لله أنه لم يتسع! فهنا أجده أكثر مناسبة لكي أدرجه في مدونتي لأن فيه جانبًا جدليًا ممتعًا. وأتمنى أن يثير المقال اهتمام من ذكرت أسماءهم فيه لعلهم يعلقون بما يفيد قارئ المدونة، وإن كنت أشك في حدوث ذلك!
والآن إلى المقال.

“إن العدو الأكبر للمعرفة ليس هو الجهل. إنما هو وهم المعرفة”
ستيفن هوكينج

ليسمح لي القراء الكرماء، بكثير من الصبر، بالعودة هنا إلى نقطة الانطلاق في رحلة البحث عن موريس بوكاي. فلدي هدف من وراء ذلك!
عندما بدأت عملية البحث عن بوكاي كان من الطبيعيّ أن أتصفح مواقع عربية وإسلامية وغربية دلّني عليها محرك البحث غوغل. بدأت بقراءة الفقرة التالية وأنقلها كما هي دون تصحيح لغويّ من…

ويكيبيديا الموسوعة الحرة
موريس بوكاي
طبيب فرنسي نشأ مسيحيا كاثوليكيا، وكان الطبيب الشخصي للملك فيصل آل سعود ومع عمله في المملكة العربية السعودية وبعد دراسة الكتب المقدسة عند اليهود والمسلمين ومقارنة قصة فرعون، أسلم وألف كتاب الإنجيل والقرآن والعلم الحديث الذي ترجم لسبع عشرة لغة تقريبا منها العربية

لا شك في أن من تبرّع مشكوراً بتحرير هذه المعلومات على صفحة بوكاي العربية الشحيحة يتحلّى بحسن النية الكاملة. ولكن كما سنرى فأن معظم هذه المعلومات غير صحيح؛ كان الطبيب الشخصيّ…عمله في المملكة…أسلم…ترجم لسبع عشرة لغة… تقريبا…
وإذا كان هذا المحرر أو المحررة المجهولة قد فاتهما التدقيق والمرجعية في إيراد المعلومات، فإن ما هو آت يثير الرعب حقاً!
فالفقرات المأخوذة من ثلاثة مقالات فقط، من بين عشرة مقالات بين يدي الآن، لا تحتوي على معلومات غير صحيحة على الإطلاق وحسب، ولكن كاتبه يتعدى ذلك إلى حدود صارخة بالتناقض داخل المقال نفسه!
وليس هذا كل شيء!
المحزن أن المقال أطلق عندي حالة من الضحك الهستيري، وهي حالة لا تناسب مقام موضوع المقال! ثم ما لبث أن أعقبت الحالة الهستيرية موجة من الحزن، لشيوع مرض يمكن أن أسميه “متلازمة حسن النية”! Goodwill Syndrome. ولعل أكثر أعراض هذا المرض الوبائيّ وضوحاً تظهر في نسخ مقالات ونقل وتأليف معلومات يفترض بالكاتب تحرّي مصداقيتها وإثبات مصادرها قبل نشرها. ويتصوّر الناسخون والناقلون والمؤلّفون أنهم يقومون بجهد مشكور في خدمة دينهم غير واعين أنهم يسيئون إلى أنفسهم على نحو معيب ولا يحققون شيئاً سوى الوهم بالتبليغ! أما التدمير اللاحق فلا يعون عنه شيئاً وإلّا لما استمر النسخ وتواصل بتوقيعات جديدة إلى يومنا هذا.
هذه حالة مفعمة بالأسى من حالات العقل المسلم المعاصر في حالة من أوضح حالاته توهّماً وضياعاً.
لقد تبع نشر هذا المقال، الذي لم أفلح في الاستدلال على “مخترعه” الأول، مقالات أخرى نسخت عنه، مع إضافة بعض التوابل! والغريب أنه على الرغم من انتشار هذا المقال على الشبكة الدولية للمعلومات في سبعة مواقع تصفحتها، ولم أواصل البحث بعدها ضيقاً ومللاً، ثم في ثلاثة كتب بحوزتي، ثم ويا للهول (!) في كتاب آخر عمن أسلم من الغربيين وجدته مصادفة مؤخراً على مكتب مدير تحرير مجلة إسلامية، يحتوي المقال ذاته (!) منقولاً عن واحد من الكتب الثلاثة التي بحوزتي! وعندما علم المدير باهتمامي بموضوع هذا الكتاب تكرّم مشكوراً بإهدائي إياه.
وعلى الرغم من الانتشار الهائل لهذا المقال فمن الغريب أن تجد أساتذة وأخوات ودكاترة ينسبونه إلى أنفسهم ويمهرونه علناً بتوقيعاتهم! ربما كانوا يسعون وغيرهم للمشاركة في الأجر والثواب!
بل إن شيخاً تلفزيونياً يكرّر المقال عينه صوتاً وصورة وبثقة كاملة على موقع اليوتيوب، مع مزيد من التخمينات. ولأن المداخلة طويلة وعامرة بالثقوب أكتفي هنا بالمقدمة لكي أفسح المجال للاقتباس من مساهمات “تاريخية” أخرى:

يتبع..